إن الحب هو الحب مهما طال العمر إن عبرة الأول هنا ليست بالتكرار لكنها بالإحساس والشعور والوجدان.

حب,يمنى أباظة,الحب,الايام,د يمنى اباظة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
د. يمنى أباظة تكتب: ماذا نعرف عن الحب؟

د. يمنى أباظة تكتب: ماذا نعرف عن الحب؟

هل يمكن أن نعرف الحب؟ وإذا كان ذلك ممكنا فهل يكون التعريف جامعا مانعا يرقى إلى مرتبة التعريف الدقيق؟ وما معنى الحب الأول؟ لو كان الحب الأول حقيقة مثلا لكان معنى ذلك أن هناك حبا ثانيا وثالثا وهكذا، لكن فى الحقيقة هذا الأمر يتنافى مع طبيعة الرجال، فلا يوجد حب أول أو ثان أو ثالث، فالحب هو الأول والأخير وليس قبله ولا بعده حب، فالصدمة فيه صاعقة مخيفة، تزلزل حياة وليد وحيد، وحين نحب، نبدأ فى الخروج من دنيا الواقع إلى دنيا الخيال، وهو انتقال لم نتخيره، ولكنه فرض علينا فى وقت لم نختره أيضا، لذلك يعترينا شعور بأننا قد انتقلنا من عالم الأشواك إلى عالم الورود، وأن ما قبل ذلك كان حياة قد انتهت ولن تعود، وأن ما بعد ذلك، هو البعث الجديد لأحاسيس ومشاعر شديدة الوهج.

ولأننا فى الحب نعيش على الشوق والحلم فنحن فى لهاث وراء السعادة، ليس لدينا شاغل إلا هى، والحبيب رمزها واللقاء رضاء بها والهجر مماتها، والوصال بعثها.  وعلى الرغم من أن مفهوم التجربة يعنى إدراك الصواب والخطأ ويعنى فيما يعنى العزم على الاستفادة مما سبق فى تجنب واعٍ للأخطاء، فإن تجربة الحب تتميز وحدها بخصائص فريدة، لا تشابهها تجربة أخرى، ذلك أن تجربة الحب مقطوعة الصلة بالماضى والمستقبل معا، أريد أن أقول إننا نكرر فى التجربة الثانية والثالثة نفس أخطاء الحب الأول، لأننا نعيش فى التجربة حالة تشبه حالة الحب الأول، ونحن لا نستفيد بالتجارب السابقة لأن العقل غائب عن الوعى بعد أن سيطر القلب على الإنسان.

  إنها حالة تشبه الثورات حيث يمحو الجديد كل أثر للقديم ليبدأ، كأن التاريخ بدأ من نفس هذه اللحظة، أريد أن أقول فى الحقيقة فى ظل أجواء الفالنتين، إن الحب ليس له تاريخ، إنما يكون ميلاده حيث يولد، وكأنه لم يكن. بمعنى أن الحب إذا وجد فى الثلاثين أو الخمسين أو السبعين من الممكن أن نعيشه بوهجه كأنه الحب الأول، وربما يكون هو العاشر فى الأساس، لكننا نسميه فى هذا العمر بوهج الحب الأول، لأن الشوق فيه ساحق، كأنه لم يكن من قبل، والهجر فيه قاتل، كأنه لم يحدث من قبل والوصال فيه عاصف كأنه لم يقع من قبل، والحب فى سن الأربعين أو الخمسين ربما يفوق فى وهجه حبا فى العشرين من العمر، ذلك أن عمق المشاعر بالسنين يعمق التذوق ويحفر على جدار متعددة فيها عبق العمر وتحيط بها نيران يصطلى بها المحب.

والحب فى السن المتأخرة هو الأطول، لا لأنه يستفيد من التجارب السابقة فى الحب، ولكن لأن العمر نفسه يستبعد تصرفات كثيرة تحدث فى سن الشباب قد تسهم فى استعجال النهاية واستعجال الفراق، فالشاب ينفعل ويثور ويتشاجر مع حبيبته ويأخذه عنفوان الشباب وفورة القوة فيحطم السفينة ويغرق الركاب، بينما يستوعب أصحاب التجربة كل احتمالات القلق والتوتر، وليس من المهم عند الناضج سنا أن يثبت قوته ولا أن يثبت قدراته فى التفوق على الآخرين، إنما المهم عنده أن يثبت حبه لمن حوله ولمن معه، وأن هذا الحب يحتاج إلى التأمين والأمان لضمان الاستمرار، وفى ذلك كله لا يصدر المحب عن إرادة واعية ولا عن إدراك لما يفعل، إنما يجرى ذلك كله فى نهر السنين فى انسياب طبيعى تلقائى لا دخل لإرادة أحد فيه، وبعض الناس قد يبررون أن الحب فى السن المتأخرة قد يكون نتاجا عن حاجة إلى أب وأم أو مال،  وفى الحقيقة هؤلاء ليس بإمكانهم أن يدركوا المعنى الحقيقى للحب، إنهم يعتبرونه يقاس بالسنين وباحتياجات الإنسان، لكن الحقيقة الحب حالة وجدانية داخلية ليس لها قواعد أو أصول، إنما فيها على وجه القطع واليقين ما حدث، فقط ما حدث، كيف ولماذا؟ لا نعرف، بدليل أن البنت فى العشرين قد تحب رجلا فى الخمسين وعندها أب وأم يمتلآن بالحنان وعندها المال والشهرة وكل ما يحتاج إليه إنسان، لكنها ذهبت بروحها ووجدانها إلى حب لا تدرك لماذا كان؟!

إن الحب هو الحب مهما طال العمر، إن عبرة الأول هنا ليست بالتكرار لكنها بالإحساس والشعور والوجدان.